التخطي إلى المحتوى

أعداد دور النشر المحلية تتزايد ولكن..

الشارقة: علاء الدين محمود
على الرغم من الانتشار الكبير لدور النشر الإماراتية، لا تزال العلاقة بين الكاتب والناشر يشوبها بعض من الجفاء، كما أن ذلك التوسع لهذه الدور لم يحل الكثير من معاناة المؤلفين خاصة فيما يتعلق بالتوزيع والترويج، وبطبيعة الحال، العائد المادي المجزي، وربما ذلك ما جعل بعض المبدعين يلجأون إلى دور نشر عربية، من أجل ضمان الانتشار على الأقل، فحتى تلك الدور لها مشاكلها من حيث الشروط الصعبة على الكتاب، والعوائد المالية الضعيفة، ولئن جاء التطور التكنولوجي وثورة المعلوماتية بما يعرف بالنشر الإلكتروني إلا أن هذا الأخير لم يشكّل حلاً مثالياً، فعلى الرغم من إيجابياته لكن له الكثير من السلبيات.
«الخليج»، وضعــت علاقـــة الكاتـــب بالنشـــر الورقـــي والإلكتروني أمام عدد من الكتّاب الإماراتيين في مجالات وأنماط إبداعية مختلفة، والذين تباينت مواقفهم تجاه دور النشر، والأفق الجديد المتمثل في النشر الإلكتروني، لكنهم جميعاً أكدوا استمرار المعاناة وطالبوا بالبحث عن حلول جديدة ومختلفة.
«دائماً بين الكاتب والناشر خيوط تتواصل أحياناً، وتنقطع في أحايين أخرى»، هكذا تحدث القاص إبراهيم مبارك في معرض تناوله لتلك العلاقة بين الكتاب ودور النشر، والمعاناة التي يجدها الكاتب حتى يصل منتجه إلى الناس، غير أن مبارك يلفت إلى أن تلك المعاناة تراجعت عن السابق، حيث كانت أكبر مما هو موجود وسائد الآن، خاصــة أن الوقــت الراهـــن يشهد انتشاراً كبيراً لدور النشر داخل الدولة، وهناك اهتمام أكبر بعملية المعرفة والثقافة.
توسع
وأشار مبارك إلى أن هذا التوسع الكبير لدور النشر، على الرغم من أنه خلق فرصاً ومساحات كبيرة للكتاب، إلا أن الفجوة تظل قائمة بين الطرفين لأن الكثير من العوامل تدخل فيها سواء كانت حقيقية أو متخيلة، وهي تسهم فـــي الجفوة بين الطرفين وتخلق نوعاً من الحاجز النفسي الذي لا يجعل العلاقة طبيعية، خاصـــة أن الكاتـــب يظـــن باستمرار أن عمل دور النشر هو الاستفادة من مجهوده الإبداعي، بالتالي فإن تلك الدور لا شك أنها تقوم بهضم حقوقه، على الرغم من أن الناشر هو الآخر لديه الكثير من المشاكل.
وذكر إبراهيم أن حقيقة معاناة الكاتب مع دور النشر، تظهر بصورة أكبر في الدول العربية ما عدا منطقة الخليج، حيث إن الكتاب في تلك البلدان يجدون صعوبة بالفعل في طباعة كتبهم وإنتاجهم الأدبي والإبداعي، وتسود علاقة ليست جيدة بين المؤلفين ودور النشر، فيما تشهد دول الخليج، ومنها الإمارات، نوعاً من الازدهار والرخاء وانتشار كبير المرافق العاملة في قطاع طباعة الكتب، إضافة إلى المؤسسات الثقافية الحكومية والخاصة المهتمة بعملية النشر، وذلك يقلل من حدة المعاناة.

بعد طبقي
ويكشف مبارك عن جانب أو بُعد طبقي في تلك العلاقة بين المؤلف ودار النشر؛ إذ إن المعاناة يختلف حجمها بين الكاتب الكبير، والآخر الصغير أو الذي في بداية مشواره أو غير المعروف بصورة كبيرة، فالأول يتمتع بامتيازات متعددة، خاصة في ما يتعلق بالجوانب المادية وترويج إصداراته وتوزيعها، حيث تهتم به دار النشر المعينة اهتماماً كبيراً، فتقوم بإخراج كتابه بصورة رائعة، الأمر الذي يساعد كذلك في الإقبال عليها من قبل القراء، في ما لا يجد الكاتب الجديد مثل هذا الاهتمام، فالعائد المادي لمؤلفاته تكون ضعيفة ولا يتم توزيعها بصورة جيدة، وهذا أيضاً من العوامل التي تعزز من الحاجز النفسي بين الطرفين، وهي مسألة لابد من حلول وآفاق لها، لأن هذا المؤلف الكبير كان صغيراً في وقت ما، فلابد أن تلعب دار النشر دوراً أكبر في الترويج للكاتب والمؤلف المبتدئ.
ويؤكد مبارك أن النشر الإلكتروني، كأفق جديد يعزز من عملية انتشار الكتاب والتعريف بالكاتب، هو بمثابة نافذة جديدة، حيث إن أصحاب المواقع ودور النشر الإلكتروني يعملون بطريقة أسهل من حيث إخراج الكتاب، وسرعة انتشاره ووجوده، وهذه مسألة تفيد الطرفين: الناشر والكاتب معاً، غير أن هنالك العديد من المخاطر المرتبطة بالنشر الإلكتروني على رأسها القرصنة، وكذلك فإن من مساوئ هذا النوع من النشر، أنه قد جعل أمر الكتابة سهلاً، حيث صار هنالك من يكتب بلا موهبة حقيقية، كما لا توجد ثقافة النشر والقراءة الإلكترونية في العالم العربي، فالمتلقي لا يقوم بدعم الكاتب عبر شراء منتجه، بالتالي تظل مسألة ضعف العائد المادي قائمة، وهناك أيضاً مشاكل متعلقة بالقارئ نفسه، فكثير من المتلقين لا يحبذون عملية الاطّلاع عبر الهواتف النقالة أو الكمبيوتر، إذ إن الكتاب الورقي لا يزال يحتفظ بمكانته فهو قريب من القلب، كما أن التعامل معه أسهل.
شروط تعجيزية
الروائية أسماء الزرعوني أكدت وجود تلك المعاناة، إضافة إلى أن الدور المحلية لا تهتم كثيراً بمسألة التوزيع والانتشار، كما أن الكتاب في بعض الأحيان لا يخرج بصورة جيدة، وكذلك هناك مشكلة في ما يتعلق بكتب الأطفال، حيث يضطر المؤلف في أحيان كثيرة إلى طباعة الكتاب على نفقته الخاصة.
وأوضحت أسماء الزرعوني أن الدور المحلية تقوم بنشر الكتب وتوزيعها على مستوى الدولة فقط بالتالي يغيب الانتشار، لذلك يلجأ الكاتب إلى الدور العربية والتي بدورها تفرض هي الأخرى الكثير من الشروط التي قد تكون تعجيزية للكاتب، مثل أن تكون للدار نسبة في حال فوز الرواية بجائزة، أو إذا تحولت إلى عمل درامي، وهذا أمر مجحف بالنسبة للمؤلف.
وذكرت أن العائد المادي الذي تقدمه دور النشر، لا ينسجم مع ما بذله المؤلف من جهد، غير أن بعض الكتّاب يرون أن المهم هو أن تطبع مؤلفاتهم بغض النظر عن ضعف المقابل المادي.
وأشارت إلى أن لديها رواية جديدة، وهي في حيرة من أمرها أين تقوم بطباعتها، حيث إن المعاناة تظل مستمرة إذا لجأ الكاتب إلى دور النشر المحلية أو العربية، وهذا الأمر يجعل الإحباط يتسلل إلى قلوب المؤلفين، وهو من العوامل التي أدت إلى عزوف الكثير من المبدعين عن عملية الكتابة، لافتة إلى أن العديد من دور النشر تمارس الكثير من الأفعال التضليلية مثل إصدار طبعة ثانية وثالثة من الكتاب المعين للكاتب المحدد دون أن ترجع له، أو حتى أن يكون له عائد من تلك الطبعات، كما أنها تقوم بالترويج لمؤلفات كتّاب غير معروفين من أجل أن تجد تلك الإصدارات انتشاراً وسط القراءة رغم محتواها الضعيف، وهي تفعل كل ذلك من أجل الربح والكسب المادي، حتى صارت الساحة الثقافية المحلية تحتشد بالمنشورات التي تصدر تحت مسميات مختلفة في الرواية والشعر والقصة، وجميعها ذات محتوى فقير ولا يراعي بعضها أدنى شروط الإبداع.
ولفتت أسماء الزرعوني إلى أن وزارة الثقافة، كانت في السابق تعمل في مجال طباعة ونشر الكتب بالنسبة للمؤلفين والمبدعين، وهو بمثابة دعم للكتاب، إذ كانت المؤسسات الحكومية تمارس هذا الدور بصورة كبيرة وفعالة، وذلك الأمر كان يضمن بصورة كبيرة أن تجد أعمال الكاتب، حتى إن كان مبتدئاً، حظاً من النشر، وهو أمر يسهم في ألّا يصاب المؤلف باليأس وينقطع عن البحث والكتابة، فعقبة النشر أدت إلى أن يغادر كثيرون موقع التأليف، وهذا الأمر يفقد البلاد الكثير من المواهب والكفاءات، وفي ذات الوقت يضيع العديد من المعارف، لذلك فإن العودة لهذا الطريق؛ أي الإسهام الحكومي المباشر في عملية النشر، أو دعم الدور ربما يشكل حلاً لهذه المعضلة.
وأكدت أسماء الزرعوني أن النشر الإلكتروني لم يشكل أفقاً جديداً، ولم يحلّ هذه المشاكل التي تعترض الكتاب والمؤلفين، حيث ظلت ذات المشاكل قائمة، بل وأضيفت إليها أخرى جديدة، حيث ظلت حقوق الكاتب في الحالتين، النشر الورقي أو الإلكتروني، مهضومة.
جهود ذاتية
الكاتبة عائشة عبد الله، ذكرت أنها، من خلال تعاملها وتجربتها الشخصية، فهي لم تعانِ كثيراً مع دور النشر، خاصة في ما يتعلق بمؤلفاتها في مجال قصص وروايات الأطفال، حيث ظلت الأمور ميسرة بالنسبة لها، غير أن عائشة تعود لتؤكد أن الكثير من الكتّاب الآخرين يشكون بالفعل من مشاكل كثيرة متعلقة بدور النشر، منها هضم الحقوق المادية، والتسويق والتوزيع والانتشار، كما أن العديد من الكتاب لا يجدون مقابلاً مادياً.
ولفتت عائشة إلى أن العديد من المؤلفين، خاصة الجدد وغير المشهورين، يلجأون إلى طباعة مؤلفاتهم بمجهودهم الذاتي؛ أي أنهم يدفعون أموالاً من أجل أن ترى كتبهم النور وتعانق أعين القراء، وعلى الرغم من ذلك فإن مؤلفاتهم لا تدرّ عليهم بعد طباعتها وتوزيعها شيئاً يغطي ما أنفقوه فيها.
وأشارت عائشة إلى أن الكثير من الناشرين هم فـــي الأصل كتّاب، اتجهوا نحو عالم طباعة الكتاب ربما لتجارب شخصية من صعوبات وجدوها في عملية نشر مؤلفاتهم، أو ربما لأنهم وجدوا أن الساحة تفتقر بالفعل إلى دور تقوم بدور كبير وحقيقي فـــــي نشر المؤلفـــــــــات والإصــــدارات الثقافية والأدبية وفي كل أشكال وأنواع المعرفة، لأن توفـــر هــــذه الــــدور هو العامل الأساسي في أن تصل مجهودات الكتاب والمبدعين إلى القراء، لذلك هذا الأمر يحتاج إلى بذل كبير ومجهودات تتضافر فيها الجهود وتلتقي.
ثقافة غائبة
وتشير عائشة إلى أن محطة رئيسية تفصل بين مرحلة انتهاء الكاتب من مؤلفه ووصوله إلى يد القارئ، تلك هي التي يوجد فيها الكتاب في دار النشر من أجل طباعته، حيث إن هذه العملية هي التي يتوقف عليها مستقبل الكتاب، بل والمؤلف كذلك، خاصة أن كثيراً من الكتّاب يعيشون مادياً على عائد ما يصدرون من أعمال أدبية وإبداعية، وهذا الأمر يتطلب بطبيعة الحال أن تقوم العلاقة بين الكاتب ودار النشر على نوع من الاتفاق الرسمي، مثل التعاقدات وغيرها من الصيغ التي تضمن حقوق المؤلف، لكن تلك الثقافة تكاد تكون غائبة في كثير من ممارسات دور النشر العربية.
وذكرت عائشة أن النشر الإلكتروني لم يكن بديلاً جيداً بالنسبة للدور الورقية، حيث إن الكتاب الإلكتروني يضيع في زحمة المؤلفات التي تحتشد بها الشبكة، كما أنه يكون عرضة للسطو، وذات المشاكل المتعلقة بالعائد المادي موجودة كذلك في مجال النشر الإلكتروني رغم سهولته، لافتة إلى أهمية عقد مؤتمرات ولقاءات بين الكتاب والناشرين من أجل إيجاد أفق جديد وصيغة تحفظ حقوق الجانبين معاً.
ظلال كثيفة
الكاتب والباحث في مجال التراث الدكتور جمعة حمد بن صراي، أكد بدوره أن تلك المعاناة بين الكتّاب ودور النشر حقيقية، وتكمن بصورة كبيرة في طريقة عمل تلك الدور، خاصة فيما يتعلق بالشروط التي تفرضها، إضافة إلـــى عدم حصــول المؤلف على حقوقه بعد إصدار الكتاب، وهــذا الوضع حقيقــة يلقــي بظلال كثيفة على العلاقـــة بيــن الطرفين، وتزيد من حجم معاناة المؤلف الذي لم يكن طريقه مفروشاً بالورود أثناء عمله على كتابه، فقد سكب عرقاً وجهداً معرفياً ونظرياً وبحثياً كبيراً، وهو ينتظر نتاج تلك الجهود الجبارة التي قام بها لكنه يفاجأ بأن حقوقه مضيّعة.
ولفت صراي، إلى أن الغريب في الأمر أن دور النشر تقابل هذه الشكاوى من الكتّاب والمؤلفين، بشكاوى من جانبهم، فهـم دائماً ما يدفعون بأنهم أيضاً يعانون في عملية طباعة الكتب ولا يربحون، وهذه مسألة في غاية الغرابة؛ إذ لا توجد دار نشر لا تربح، وإلا لماذا هي مستمرة في العمل كمؤسسة تجارية ربحية ؟
وينبه صراي إلى أنه، في حقيقة الأمر، يتحدث بصورة عامة لأنه يرى صنوفاً من شكاوى الكتّاب، غير أنه شخصياً لا يلقى مثل تلك المعاناة، حيث إن الباب مفتوح بالنسبة له، غير أن هناك من المؤلفين من تعبوا وسهروا ولكنهم لم يجدوا المقابل المالي المجزي، وهذا أمر يعطل كثيراً من حركة المعرفة نفسها ومن وجود مؤلفات فكرية وأدبية وثقافية، بصورة عامة، لأن الذين تقع عليهم مسؤولية نشر المعرفة يعانون في تلك المهمة النبيلة.
ولفت صراي إلى أن بعض دور النشر تقوم بأخذ مبالغ مالية من بعض الكتّاب مقابل أن تنشر لهم مؤلفاتهم، وهذا أيضاً واقع غير إيجابي، لأن معظم الذين يعملون في مجال الكتابة ليست لديهم أموال ليقوموا بدفعها؛ فهم أصحاب مواهب يريدون أن يصبحوا كتّاباً ومؤلفين، ومثل هذه الأساليب لا تجعلهم يحققون أحلامهم وطموحاتهم، كما أن على الدور نفسها أن تضع، إلى جانب الربح، مكانة للمعرفة وهدفاً لنشر الثقافة.
وشدد صراي على ضرورة أن يكون هناك نوع من التفاهم بين الكاتب والباحث ودار النشر، من أجل إيجاد أفق لعملية طباعة الكتب تراعي الحقوق لجميع الأطراف، غير أن دور النشر لا تقبل بمثل هذه اللقاءات والتفاهمات والاتفاقيات لأنها ببساطة تريد أن تستمر في التربّح والتكسّب على حساب المؤلف، وطالب صراي بضرورة وأهمية أن تكون هنالك تعاقدات ملزمة بين دار النشر والمؤلف يضمن هذا الأخير بموجبها حقّه المادي.
وذكر صراي أن الكثير من الكتاب لا يحبذون النشر الإلكتروني، لأسباب كثيرة، منها ما هو معروف من عمليات السرقة والسطو على عرق وجهد المؤلف، كما أن القراءة الإلكترونية نفسها تحتاج من القارئ إلى معدات متمثلة في جهاز هاتف نقال، وكمبيوتر وغير ذلك مما قد لا يتوفر لدى فئة واسعة من جمهور القراء، كما أن عملية الاطّلاع عبر الوسائط نفسها غير مريحة للعين، بالتالي هي عوامل تضع حاجزاً بين المتلقي وعملية القراءة نفسها، فالوسائط الإلكترونية قد تكون مفيدة في جانب آخر مثل الترويج للكتاب وتناوله والحديث عنه.
خيارات أخرى
«عملية مركّبة»، ذلك هو الوصف الذي قدمه الكاتب والشاعر طلال سالم، وهو صاحب تجربة في عملية طباعة الكتب، إذ كان يمتلك داراً للنشر، وهو يشير، في معرض حديثه عن تجربته، إلى أنه قد خاض غمار النشر الذاتي فترة طويلة؛ أي على حسابه الخاص، وهو الخيار الذي يلجأ إليه الكثير من الكتّاب، خاصة في مرحلة البدايات.
وذكر سالم أن عملية النشر في العالم العربي بشكل عام، تحتاج إلى كثير من التطوير والمفاهيم خاصة فيما يتعلق بعملية التوزيع، وهي مسألة في غاية الأهمية، حيث يعاني الكتّاب كثيراً قضية التوزيع، وعلى الرغم من أن جمعية الناشرين تبذل دوراً كبيراً وفعالاً في هذا الجانب، وكذلك فيما يتعلق بعملية النشر، إلا أنه لا يوجد أفق قريب.
وأوضح سالم أن هنالك الكثير من الدور والمؤسسات في قطاع النشر، لكنها جميعاً لا تراعي حقوق المؤلف، مشيراً إلى هناك صحوة سادت هذا القطاع في عام 2014، حيث انتشرت وتوسعت الدور الجديدة، وكانت المشكلة والتحدي الحقيقي يكمن في استمرار تلك الدور، فمنها من صمد وهناك من تراجع، وكان ذلك التوسع في الحقيقة لمقابلة احتياجات النشر المتزايدة في جميع المجالات، ولكن فيما يبدو كانت العقلية التجارية هي السائدة، لذلك دائماً هناك شكوى، وهي حقيقية، تتعلق بهضم حقوق المؤلف.
ولفت سالم إلى جميع دور النشر الموجودة لا طاقة لها بعملية الترويج والتوزيع، كما أن هناك مشكلة تتعلق بالكاتب نفسه، فهو لا يعرف كيف يقدم نفسه أو يسوّق لها، وهذه مسألة تعتمد على المشاركة في الحراك الثقافي من خلال الملتقيات والندوات والفعاليات والأنشطة المختلفة، فهذه مسألة في غاية الأهمية في التعريف بالكاتب، وتكمن أهميتها في كون أن دور النشر تتعامل مع المؤلف المعروف بطريقة مختلفة وفيها كثير من الاحترام.
وذكر سالم، أن هنالك سوء فهم في علاقة الكاتب بالناشر، إذ إن عملية طباعة الكتاب في حقيقة الأمر غير مربحة مادياً لدار النشر بسبب التكلفة العالية، فإذا لم يُبع الكتاب يصبح هنالك مخزون كبير من الكتب، بالتالي هذه خسارة لتلك الدور، في حين يظن الكاتب أن الدار قد باعت كتابه وهضمت حقه.
ولفت سالم إلى أن من أهم أسباب تراجع دور النشر، أو عدم قيامها بدورها بصورة فعالة، هو النشر الإلكتروني، وانشغال الناس عن القراءة بما هو مسموع ومرئي، غير أن الكتاب الورقي لا يزال يحتفظ بمكانته، لكن المسألة تحتاج إلى تضافر عدد من الجهود، خاصة في ما يتعلق بالتوزيع وجودة المنتج.
وأوضح سالم أن النشر الإلكتروني ينطوي على الكثير من المشاكل والمآسي، خاصة فيما يتعلق بالإيمان بحقوق الكاتب، حيث إن الكتب تتسرب بالمجان، مشيراً إلى أن لدى العديد من المؤلفين الكثير من الكتب في موقع مثل أمازون وغيره ولكن القارئ لا يشتري الكتاب الإلكتروني، وهو في هذه الحالة لا يقدم دعماً للكاتب، بالتالي فإن النشر الإلكتروني لا يصلح، بصورة كبيرة لعملية البيع، ربما تكمن فائدته في الانتشار والترويج.
معادلة
بدوره، فإن الناشر والكاتب سيف الجابري صاحب دار نشر «سيف الجابري» للطباعة والنشر، قدم رؤية تعضد موقف دور النشر والمؤلفين في ذات الوقت، فهو يرى أن الكاتب الإماراتي بحاجة إلى دعم كبير لإظهار جهوده المعرفية والأدبية، ولابد من دعم الناشر في هذا السياق حتى يستطيع أن يقوم بطباعة أعمال الكتاب بصورة تضمـــن الانتشار وحفـظ الحقــــوق، حيــث إن دعم النشر هو بمثابة دعم للكاتب نفسه، فهذه معادلة مهمة من أجل حل هذه المعضلة.
وذكر الجابـري أن دور النشر بحاجة إلى إعفاءات لرخصة النشر وترخيص الدوائر الاقتصادية، وكذلك ترخيص المؤلفات، حيث إن الناشر يدفع رسوم عدة مقابل كل تلك العملية، وذلك يؤثر تأثيراً كبيراً في علاقته بالمؤلف، حيث إن كلاً من الكتّاب والناشرين يعانـــون حقيقـــة ضعــف دعم الشراء خلال المعارض، واقترح الجابري أن يخصص الدعــم الذي يأتـــي مــــن المسؤولين في الدولة لمعارض الكتب، خاصة في معرضي الشارقة وأبوظبي، للناشرين والكتاب الإماراتيين فقط، حيث إن ذلك سيكون له انعكاساته الإيجابية على عمل دور النشر، وكذلك على المؤلفين.
وأوضح الجابري أن كثيراً من الكتّاب والمؤلفين يقومون بطباعة أعمالهم على نفقتهم الخاصة لأنهم ليس لديهم من ينشر لهم، حيث إن الناشر حتى يقوم بهذه العملية فهو يحتاج إلى الدعم، بالتالي فإن المعاناة هي لا تخص المؤلف وحده؛ بل هي مشتركة.

عقبات إلكترونية

أكد سيف الجابري أن النشر الإلكتروني لم يستطع أن يكون بديلاً أو داعماً للورقي، فهو ليس بتلك القوة المطلوبة، والدليل على ذلك أن الكتاب الورقي لا يزال يحتفظ بأهميته، كما أن النشر الإلكتروني يحتاج إلى مراعاة حقوق الملكية وهي أشياء لها أهميتها الكبيرة في عالم اليوم، إذ لا يزال أمام النشر الإلكتروني الكثير من العقبات، ربما أهمها ثقافة القارئ نفسه الذي يفضل أن يمتلك الكتاب ويطّلع عليه بصورة مباشرة بلا وسيط.

أثر إيجابي

أشار طلال سالم إلى أن هناك جهوداً كبيرة تقوم بها عدة جهات داخل الدولة بما يخدم قضية النشر، فهناك إمارة الشارقة ودورها الذي تُوّج بتأسيس مدينة للنشر، وكذلك معرض الشارقة الدولي للكتاب، وما يقام ضمن فعاليته من أنشطة لقطاع النشر، مثل المؤتمر الدولي للناشرين، وكذلك العديد من الجهود في إمارة أبوظبي، وكل تلك المبادرات سيكون لها أثرها وانعكاسها الإيجابي على عملية النشر ووقف معاناة الكتاب، مشيراً إلى أهمية قيام مختبرات وورش عمل لوضع خطط وطنية تنهض بعملية النشر وتضمن الحقوق.