التخطي إلى المحتوى

.. بعد سنوات من الجهود والوساطات، حصل اللقاء
المنتظر و”المصالحة” التي جهد لها الوسطاء بين دمشق وحركة
“حماس”.

اتخذ الأمر الكثير من الوقت لتحقيق خرق في
العلاقة المتراجعة دراماتيكياً منذ سنوات على خلفية الأحداث السورية واستياء
القيادة في دمشق من موقف “حماس”، الحيادي حسب وجهة نظر الأخيرة،
والمنحاز إلى المسلحين حسب سوريا.

أجرت الحركة مراجعتها منذ سنوات وتولى مسؤولون
إيرانيون ولبنانيون وخاصة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر
الله، الوساطات وصولاً الى الإخراج الأخير الذي وضع نصر الله شخصياً لمساته على
ترتيباته.

شكلت زيارة الحركة للأسد ضمن وفد من 10 فصائل
فلسطينية، مخرجاً ملائماً للجانبين كونه لم يكن اجتماعاً ثنائياً، ثم جاء الكلام
الإيجابي والاستقبال الحار من قبل الرئيس السوري بشار الأسد لوفد الحركة، ما سيمهد
للقاءات ثنائية مقبلة.

ترتيب بيت
“محور المقاومة”

على أن الظروف الإقليمية والدولية وطبعا مسار التطورات
في المنطقة لا سيما في الأراضي الفلسطينية، شكلت إرهاصات المصالحة. لكن أيضا ترتيب
بيت “محور المقاومة” لصالح القضية الفلسطينية المستهدفة للتصفية، حسب
أحد المتابعين عن كثب لمسار المصالحة.

فمنذ تسلم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب
الرئاسة ومسعاه لتسويق “صفقة القرن” وعملية التطبيع في المنطقة، اتخذت
“حماس” قرارها الجديّ بالسير قدماً بما تريده في الانفتاح عملياً على
دمشق.

وكانت الفترة السابقة شهدت دراسة عميقة لعلاقات
الحركة العربية والاسلامية والدولية، لكن الأمر اليوم حسبها بات يشكل خطراً على
القضية الفلسطينية ولا بد من البحث عن حلفاء لحماية القضية من خطر التصفية خاصة
انها لا تستهدفها فقط بل تهدف الى دمج الكيان الإسرائيلي في المنطقة العربية.

فكان القرار في إعادة النظر في التحالفات وتمتين
جبهة قوى المقاومة العربية. وتشكلت لجان لهذا الموضوع ومنها تلك التي نجحت في
استعادة العلاقات مع سوريا باعتبارها تاريخيا دولة حاضنة للمقاومة الفلسطينية.

طبعا جاء ذلك بعد حوار داخلي عميق في
“حماس” ومشاورات مع الحلفاء وخاصة إيران التي لم تنقطع العلاقة معها
يوماً، ومع “حزب الله”، وتحت عنوان ترميم محور المقاومة تم اتخاذ القرار
في ربيع العام الحالي بعد وساطة حثيثة من نصر الله كما من “الحرس الثوري
الإيراني” مع القيادة السورية.

وكانت خطوات بعيدة عن الإعلام مهدت للزيارة ثم إصدار
الحركة بيانها الشهير في 15 أيلول الماضي باستعادة العلاقة وحرصها على وحدة سوريا
أرضا وشعبا والحرص على دورها آملة عودة هذا الدور. أوجد البيان الأرضية المناسبة
للزيارة ضمن وفد الفصائل واللقاء مع الأسد في 19 الشهر الحالي.

حضرت “حماس” عبر وفد برئاسة عضو
المكتب السياسي ورئيس مكتب العلاقات العربية والإسلامية الدكتور خليل الحية وكان
حاضراً القيادي أسامة حمدان عضو المكتب أيضاً.

صدر عن اللقاء كلام بالغ الإيجابية من الحية مهد
أيضا للقاء مع شخصية سورية رفيعة المستوى سيتبعه لقاءات أخرى تواكب عودة الحركة
الى فتح مكاتبها في سوريا وتعزيز ما تم حتى الآن بعد مسار اتخذ جديته منذ العام
2017 ثم في العام 2018 لم تر القيادة السورية ان الظروف نضجت حينها، ولم يترجم إلا
اليوم بسبب صعوبات إرث الماضي والظروف.. وما زاد من صعوبة الأمر تمثل في عدد من
التسريبات التي حصلت خاصة في الاشهر الأخيرة ما أرجأ اللقاء حتى حصل أخيرا.

في كل الأحوال تحضر “حماس” بقيادتها
الجديدة في دمشق بعد مصارحة حصلت ونظرة الى الأمام بدلا من الماضي بالنسبة الى
الطرفين. وجاءت الزيارة الأخيرة للرئيس الاميركي جو بايدن للمنطقة عن ناتو عربي
اسلامي ووسط يقين لدى محور المقاومة بأن “صفقة القرن” لم تمت، في ظل الحرب
الاوكرانية الملحة والمفتوحة على كل المسارح ومنها المسرح السوري، لتعمق اليقين بأن
الخطر يُسقط نفسه على الجميع في المحور الذي بات عليه ترتيب وضعه وخاصة في فلسطين
حيث المقاومة لا تتوقف وتتخذ أشكالا جديدة كل يوم.

طيّ صفحة الماضي

الرغبة بطي صفحة الماضي واضحة، والحرارة التي
عبّر عنها الأسد، حسب المتابعين، تؤكد أنه كان ينتظر انضاج الظروف لنجاح اللقاء.

ويقدم أحد المعنيين مثالا على حرص الرئيس السوري
على تلك العلاقة برفضه سابقا التهجم الذي حصل بحضوره على الحركة من قبل البعض من
قياديين عرب خلال خوض المقاومة في فلسطين المعارك، و”حماس” هي رأس الحربة
في تلك المعارك بما يخص الأراضي الفلسطينية. وكانت اجابة الأسد يوماً على سبب قبوله
الانفتاح على “حماس”، بالمقارنة بين موقف الحركة مثلا وموقف أخصام ذهبوا
بعيدا ضد دمشق قبل أن تعيد الأخيرة استقبالهم مثل الزعيم اللبناني وليد جنبلاط..

لعل القرار الذي اتخذته الحركة بالغالبية
الكبيرة، أي نحو 95 في المئة من المصوتين، يُعبر عن جدية في فتح هذه الصفحة
الجديدة، وستلي ذلك لقاءت بمستويات أقل من الرئاسة لمعالجة تفاصيل عودة الحركة الى
سوريا وتنظيم ترتيبات العلاقة في شكلها الجديد.

لكن لا شك أن العودة الى الماضي الذهبي بين
الطرفين يلزمها وقتاً طويلاً.. وعملاً دؤوباً.

Scan the code