التخطي إلى المحتوى




من المسّلم به أن ملف ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل قد أصبح وراء البلدين، الذي تفصل بينهما عدواة عمرها عشرات السنين. وقد بدأ التفكير يتركّز على ما بعد هذا الإتفاق، الذي أصبح على قاب قوسين أو أدنى لكي يصبح حقيقة تاريخية لا جدل فيها. 
قبل هذا التاريخ، الذي يجب أن يُكتب بماء من ذهب، كان يُقال إنه لن يبصر النور قبل التوصّل إلى إتفاق مبدأي بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران في ما خصّ الملف النووي، ليتبيّن للمحللين المتبصرين أن العكس هو الصحيح؛ بمعنى أن التقدّم الذي أحرزته واشنطن في ملف الترسيم قد ينعكس إيجابًا على تقدّم المفاوضات في الملف النووي.    
 
فبعد موافقة كل من بيروت وتل أبيب على المسودّة الأميركية تنطلق عملية الإعداد لحفل التوقيع على الإتفاق في الناقورة، حيث سيتواجد الوفدان اللبناني والإسرائيلي في مقر قيادة القوات الدولية في غرفتين منفصلتين، وسيوقعان على نسختين منفصلتين على الإتفاق ويقومان بإرسالهما الى الولايات المتحدة بصفتها الدولة الضامنة لتنفيذ هذا الإتفاق، ومن ثم يتم إيداع نسخة من هاتين الرسالتين لدى الأمم المتحدة. 

النقطة الوحيدة العالقة حتى الآن هي التي تتعلق بموعد التوقيع على الإتفاق. فالأميركيون راغبون في أن يحصل ذلك قبل انتخاباتهم النصفية، ولكن حكومة يائير لبيد ليست جاهزة بعد لإنجاز “معاملات التوقيع”، وترى نفسها ملزمة بإرجاء الخطوات التنفيذية الى ما بعد إنتخاباتها الداخلية مطلع الشهر المقبل، لإحتواء المعارضة القوية بعدما أعلن اليمين المتطرف الحرب على الإتفاق. 

فقد قرر حزب “الصهيونية الدينية” التو ّجه الى المحكمة العليا طالبًا إبطاله بحجة أن حكومة لبيد هي حكومة مؤقتة تقتصر أعمالها على تسيير الأعمال ولا يحق لها التوقيع على إتفاقيات دولية. كما يدرس بنيامين نتنياهو إمكانية التوجّه أيضًا الى القضاء للمطالبة بمنع الحكومة من التوقيع على الإتفاق. وتطرح في إسرائيل بعض علامات الإستفهام حول الدلالات السياسية والقانونية لهذه التطورات. 

وعلى رغم هذه الأجواء الملبدة داخل إسرائيل، وفي إنتظار الإعلان عن موعد التوقيع، بدأ التعاطي منذ الآن مع إتفاق الترسيم كواقع ومعطى جيوسياسي جديد ونقطة تحّول في تاريخ الصراع بين لبنان وإسرائيل.  

فهذا الإتفاق، كما يقول المحّللون، ليس مجرد “تفاهم بحري” على تقاسم الثروة الغازية، وإنما ينطوي على نتائج مهمة وأبعاد استراتيجية يمكن اختصارها في نقطتين أساسيتين: 
الأولى، وهي أن هذا الإتفاق هو  أول إتفاق خطي بين لبنان وإسرائيل منذ إتفاق الهدنة العام 1949، الذي لا يزال ساري المفعول. صحيح أن إتفاق الترسيم ليس “إتفاق تطبيع” وليس خطوة أولى على طريق “إتفاق سلام”، ولكنه لا ينفصل عن مناخات تهدئة الصراع بين إسرائيل ولبنان، وبالتحديد بين إسرائيل و”حزب الله”، ويكسر حال العداء بين لبنان وإسرائيل، ويرسّخ حال الهدوء على الحدود البحرية والبرية، وعلى قاعدة “السلام الإقتصادي”. 
 
الثانية، إتفاق الترسيم الحدودي يعيد خلط أوراق الداخل اللبناني في مجالين: الأول اقتصادي مع دخول لبنان نادي الدول النفطية وتحسن تصنيفه الدولي وظهور بارقة أمل اقتصادية، وبدء العد العكسي للخروج من الأزمة والصعود من القعر. وفي موازاة الضمانة الأميركية للإتفاق سيكون تخفيفًا للضغوط الخارجية ولحال العزلة الدولية المفروضة على لبنان. 

أما المجال الثاني فإنه سياسي، خصوصًا أن “حزب الله” قرر إستثمار هذا الإنجاز في الداخل ولعبة موازين القوى باعتباره الطرف الذي سهّل قيامه،  وفي تحصيل حقوق لبنان وفرصة الإستفادة من ثروته البحرية.  
وفي رأي بعض المحللين أن هذا التوجه لدى الحزب على قاعدة مقايضة “التقديمات” الحدودية الإيجابية بالمكاسب الداخلية السياسية، يبدأ من الإستحقاق الرئاسي بعدما حمى ظهره إقليميًا بهذا الإتفاق وصارت الحرب وراءه، وبعد أن يكون قد دخل مرحلة إدارة الفراغ الرئاسي المؤقت بشكل مريح مع حكومة كاملة الصلاحيات.  
بإختصار يمكن القول أن لبنان قد خطى خطوات سريعة نحو الإستقرار الشامل في المنطقة، الذي يعوّل عليه المجتمع الدولي الآمال العريضة. 










للمزيد من التفاصيل والاخبار تابع حضرموت نت على الشبكات الاجتماعية












Scan the code